الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)
.استيلاء الفرنج على افامية. كان خلف بن ملاعب الكلابي في حمص وملكها منه تاج الدولة تتش فسار إلى مصر وأقام بها ثم بعث صاحب افامية من جهة رضوان بن تتش بطاعته إلى صاحب مصر العلوي فبعث إليها ابن ملاعب وملكها وخلع طاعة العلوية وأقام يخيف السبيل كما كان في حمص فلما ملك الافرنج سرمين لحق به قاضيها وكان على مذهب الرافضة فكتب إلى ابن الطاهر الصانع من أكابر الغلاة ومن أصحاب رضوان وداخلهم في الفتك بابن ملاعب ونمى الخبر إليه من أولاده فحلف له القاضي بما اطمأن إليه وتحيل مع ابن الصانع في جند من قبلهم يستأمنون إلى ابن ملاعب ويعطونه خيلهم وسلاحهم ويقيمون للجهاد معه ففعلوا وأنزلهم بربض افامية ثم بيته القاضي ليلا بمن معه من أهل سرمين ورفع أولئك الجند من الربض بالحبال وقتلوا ابن ملاعب في بيته وقتلوا معه ابنه وفر الآخر إلى أبي الحسن بن منقذ صاحب شيزر وجاء الصانع من حلب إلى القاضي فطرده واستبد بافامية وكان بعض أولاد ابن ملاعب عند طغركين وولاه حماية بعض الحصون فعظم ضرره فطلب طغركين فهرب إلى الافرنج وأغراهم بافامية ودلهم على عورتها وعدم الاقوات فيها فحاصروها شهرا وملكوها عنوة وقتلوا القاضي والصانع وذلك سنة تسع وتسعين وقد ذكرنا قبل أن الصانع قتله ابن بديع أيام تتش صاحب حلب إثر مهلك رضوان فالله أعلم أيهما الصحيح ثم ملك صاحب انطاكية من الافرنج حصن الامارة بعد حصار طويل فملكه عنوة واستلحم أهله وفعل في ذريته مثل ذلك ورحل أهل منبج وبالس وتركوهما خاويين وملكوا حيد بالامان وطلب الفرنج من أهل الحصون الإسلامية الجزية فأعطوهم ذلك على ضريبة فروها عليهم فكان على رضوان في حلب وأعمالها ثلاثون ألف دينار وعلى صور سبعة آلاف وعلى ابن منقذ في شيزر أربعة آلاف وعلى حماة ألفا دينار وذلك سنة خمس وخمسمائة..استيلاء طغركين على بصرى. قد تقدم لنا سنة سبع وتسعين حال تلتاش بن تتش والخطبة له بعد أخيه دقاق وخروجه من دمشق واستنجاده الفرنج وان الذي تولى كبر ذلك كله اسكين الحملي صاحب بصرى فسار طغركين سنة المائة الخامسة إلى بصرى وحاصرها حتى أذعنوا وضربوا له أجلا للفرنج فعاد إلى دمشق حتى انقضى الأجل فآتوه طاعتهم وملك البلد وأحسن إليهم والله تعالى ولي التوفيق لا رب غيره..غزو طغركين وهزيمته. ثم سار طغركين سنة اثنتين وخمسمائة إلى طبرية ووصل ابن أخت بغدوين ملك القدس من الفرنج فاقتتلوا فانهزم المسلمون أولا فنزل طغركين ونادى بالمسلمين فكروا وانهزم الفرنج وأسر ابن أخت بغدوين وعرض طغركين عليه الاسلام فامتنع فقتله بيده وبعث بالاسرى إلى بغداد ثم انعقد الصلح بين طغركين وبغدوين بعد أربع سنين وسار بعدها طغركين إلى حصن غزة في شعبان من السنة وكان ليدمولى القاضي فخر الملك بن علي ابن عمار صاحب طرابلس فعصى عليه وحاصره الافرنج وانقطعت عنه الميرة فأرسل طغركين صاحب دمشق أن يمكنه من الحصن فأرسل إليه اسرائيل من أصحابه فملك الحصن وقتل صاحبه مولى بن عمار غيلة ليستأثر بمخلفه فانتظر طغركين دخول الشتاء وسار إلى الحصن لينظر في أمره وكان السرداني من الافرنج يحاصر طرابلس فلما سمع بوصول طغركين حصن الاكمة أغذ السير إليه فهزمه سواده ولحق طغركين بحمص ونازل السرداني غرة فاستأمنوا إليه وملكها وقبض على اسرائيل فادى به أسيرا كان لهم بدمشق منذ سبع سنين ووصل طغركين إلى دمشق ثم قصد ملك الافرنج رمسة من أعماله دمشق فملكها وشحنها بالاقوات والحامية فقصدها طغركين بعد أن نمى إليه الخبر بضعف الحامية الذين بها فكبسها عنوة وأسر الافرنج الذين بها والله سبحانه وتعالى أعلم..انتقاض طغركين على السلطان محمد. كان السلطان محمد بن ملك شاه قد أمر مودود بن بوشكين صاحب الموصل بالمسير لغزو الافرنج لأن ملك القدس تابع الغارات على دمشق سنة ست وخمسمائة واستصرخ طغركين بمودود فجمع العساكر وسار سنة تسع ولقيه طغركين بسهلة وقصدوا القدس وانتهوا إلى الانحوانة على الاردن وجاء بغدوين فنزل قبالتهما على النهر ومعه جوسكين صاحب جيشه واقتتلوا منتصف محرم سنة عشر على بحيرة طبرية فانهزم الافرنج وقتل منهم كثير وغرق كثير في بحيرة طبرية ونهر الاردن ولقيتهم عساكر طرابلس فاشتدوا وأقاموا بجبل قرب طبرية وحاصرهم المسلمون فيه ثم يئسوا من الظفر به فساحوا في بلادهم واكتسحوها وخربوها ونزلوا مرج الصفر وأذن مودود للعساكر في العود والراحة ليتهيأوا للغزو وسلخ الشتاء ودخل دمشق آخر ربيع من سنة ليقيم عند طغركين تلك المدة وصلى معه أول جمعة ووثب عليه باطني بعد الصلاة فطعنه ومات آخر يومه واتهم طغركين بقتله وولى السلطان مكانه على الموصل اقسنقر البرسقي فقبض على اياز بن أبي الغازي وأبيه صاحب حصن كيفا فسار بنو أرتق إلى البرسقي وهزموه وتخلص اياز من أسره فلحق أبو الغازي أبوه بطغركين صاحب دمشق وأقام عنده وكان مستوحشا من السلطان محمد لاتهامه بقتل مودود فبعث إلى صاحب انطاكية من الفرنج وتحالفوا على المظاهرة وقصد أبو الغازي ديار بكر فظفر به قيرجان بن قراجا صاحب حمص وأسره وجاء طغركين لاستنفاذه فحلف قيرجان ليقتلنه ان لم يرجع طغركين إلى بلاده وانتظر وصول العساكر من بغداد تحمله فأبطأت فأجاب طغركين إلى اطلاقه ثم بعث السلطان محمد بالعساكر لجهاد الافرنج والبداءة بقتال طغركين وأبي الغازي فساروا في رمضان سنة ثمان وخمسمائة ومقدمهم برسق بن برسق صاحب همذان وانتهوا إلى حلب وبعثوا إلى متوليها لؤلؤ الخادم ومقدم عسكرها شمس الخواص يأمرونهما بالنزول عنها وعرضوا عليهما كتب السلطان بذلك فدافعا بالوعد واستحثا طغركين وأبا الغازي في الوصول فوصلا في العساكر وامتنعت حلب على العساكر وأظهروا العصيان فسار برسق إلى حماة وهي لطغركين فملكها عنوة ونهبها ثلاثا وسألهما الأمير قيرجان صاحب حمص وكان جميع ما يفتحه من البلاد له بأمر السلطان فانتقض الأمراء من ذلك وكسلوا عن الغزو وسار أبو الغازي وطغركين وشمس الخواص إلى انطاكية يستنجدون صاحبها دجيل من الافرنج ثم توادعوا إلى انصرام الشتاء ورجع أبو الغازي إلى ماردين وطغركين إلى دمشق ثم كان في اثر ذلك هزيمة المسلمين واستشهد برسق وأخوه زنكي وقد تقدم خبر هذه الهزيمة في أخبار البرسقي ثم قدم السلطان محمد بغداد فوفد عليه اتابك طغركين صاحب دمشق في ذي القعدة من سنة تسع مستعينا فأعانه وأعاده إلى بلده والله سبحانه وتعالى أعلم.
|